إنّ البناء على قبور الاَنبياء والاَولياء ممّا جرت عليها اتباع الاَنبياء والشرائع السماوية قبل الاِسلام، وبعده.
فقد كانوا يشيّدون الاَبنية والاَضرحة على قبور الاَنبياء والاَولياء، ولازال كثيرها قائماً إلى الآن في العراق وفلسطين والشام.
غير أنّ الوهابيين زعموا أنّ ذلك من الشرك أو من البدعة، فأجمعوا أمرهم على هدم هذه الاَبنية والاَضرحة.
يقول ابن القيم في كتابه «زاد المعاد في هدى خير العباد»: يجب هدم المشاهد التي بنيت على القبور ولايجوز إبقاوَها، بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً

(1)
وعلى هذه السنّة السيئة جرى الوهابيون؛ فإنّهم بعد أن استولوا على الحجاز استفتوا علماء المدينة عن تلك الاَضرحة والقبور، ذاكرين في استفتائهم الحكم والجواب الذي يجب أن يجيب به علماء المدينة فطرح ابن بلهيد ـ يومذاك ـ سوَالاً قال فيه:
" ما قول علماء المدينة المنورة زادهم اللّه فهماً وعلماً في البناء على القبور واتّخذاها مساجد؛ هل هو جائز أو لا ؟ واذا كان غير جائز بل ممنوع منهيّ عنه نهياً شديداً (2) فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها؟ " (3)
وبما أنّ البحث هنا مركّز على دراسة هذه المسائل في ضوء القرآن الكريم، فإنّنا نطرح هذه المسألة على الكتاب الاِلهي العزيز لنرى ما هو الجواب الصحيح فيها.
وإليك مانستفيده في هذا المجال من القرآن الكريم:
1 ـ يظهر من بعض الآيات أنّ أهل الشرائع السماوية كانوا يبنون المساجد على قبور أوليائهم أو عندها ولاَجل ذلك لما كشف أمر أصحاب الكهف تنازع الواقفون على آثارهم فمنهم من قال وهم المشركون:
( ابنُوا عَلَيهم بُنياناً رَبُّـهمْ أعلَمُ بِهِمْ)
وقال الآخرون وهم المسلمون:
( لَنتَّخِذَنَّ عَلَيهِمْ مَسْجِداً) (الكهف ـ 21).
قال الزمخشري في تفسير قوله: (ابنوا عليهم بنياناً): أي ابنوا على باب كهفهم لئلاّ يتطرق إليهم الناس ضناً بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول اللّه بالحظيرة.
وقال في تفسير قوله: (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذنَّ عَلَيهِمْ مَسْجِداً): أي قال المسلمون وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم: لنتّخذن على باب الكهف مسجداً، يصلّـي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم(4)
وقال في تفسير الجلالين: فقالوا ـ أي الكفّار ـ : ابنوا عليهم ـ أي حولهم ـ بنياناً يسترهم، ربّهم أعلم بهم (قال الذين غلبوا على أمرهم) :أمر الفتية وهم الموَمنون: (لنتَّخذن عليهم) ـ حولهم ـ (مسجداً) يصلى فيه) (5)
وعلى الجملة فقد اتفق المفسّـرون على أن القائل ببناء المسجد على قبورهم كان هم المسلمون ولم ينقل القرآن هذه الكلمة منهم إلاّ لنقتدي بهم ونتّخذهم في ذلك أُسوة.
ولو كان بناء المسجد على قبورهم أو قبور سائر الاَولياء أمراً محرّماً لتعرّض عند نقل قولهم بالرد والنقد لئلاّ يضل الجاهل.
وأمّا ما روي عن النبيّ من قوله: لعن اللّه اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد (6) فالمراد منه هو السجود على قبور الاَنبياء واتّخاذها قبلة في الصلاة وغيرها والمسلمون بريئون عن ذلك، وقد أوضحه القسطلاني في كتابه إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري.
إنّ قبور الاَنبياء المنتشرة حول بيت المقدس كقبر داود ـ عليه السلام ـ في القدس وقبور إبراهيم، وبنيه إسحاق ويعقوب ويوسف الذي نقله موسى من مصر إلى بيت المقدس في بلد الخليل، كلّها مبنية مشيّدة قد بني عليها بالحجارة العادية العظيمة من قبل الاِسلام، وبقي ذلك بعد الفتح الاِسلامي الى اليوم.
غير أنّ ابن تيمية اعتذر عن ذلك في كتابه: «الصراط المستقيم» بأنّ البناء الذي كان على قبر إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ كان موجوداً في زمن الفتوح، وزمن الصحابة إلاّ أنّ باب ذلك البناء كان مسدوداً إلى سنة 400هـ.
ولكن هذا الكلام لايفيده أبداً ولايضرنا؛ فانّ «عمر» لما فتح بيت المقدس رأى ذلك البناء ومع ذلك لم يهدمه. وسواء أصح قول ابن تيمية أنّه كان مسدوداً إلى عام 400 أم لم يصح يدل على عدم حرمة البناء على القبور، وقد مضت على هذا البناء الاَعصار والدهور، وتوالت عليها القرون، ودول الاِسلام، ولم يسمع عن أحد من العلماء والصلحاء وأهل الدين وغيرهم قبل الوهابية أنّه أنكر ذلك وأمر بهدمه أو حرّمه، أو فاه في ذلك ببنت شفة على كثرة مايرد من الزوار والمتردّدين من جميع أقطار المعمورة.
هذا مضافاً إلى أنّه قد دفن النبي في حجرة بيته ودفن فيها صاحباه ولا فرق بين البناء السابق واللاحق، ولم يقل أحد بالفرق بين البناء السابق واللاحق كمالا يخفى.
وفي تاريخ بناء الحرم النبوي مايفيدك في هذا المجال، جداً، فلاحظ.

هذا وفي الختام نشير إلى ما اتّخذه الوهابيون ذريعة لهدم القبور وهو ما رواه مسلم في صحيحه إذ قال: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدّثنا وكيع عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن أبي الهيّاج الاَسدي قال: قال لي عليّ بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم أن لاتدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولاقبراً مشرفاً إلاّ سوّيته» (7)
فقد استدل الوهابيون بقوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «ولاقبراً مشرفاً إلاّ سوَّيته» على لزوم هدم القبور وتسويتها بالاَرض.
بيد أنّ الاستدلال بالحديث المذكور يتوقف على أمرين:
1 ـ أن يكون السند صحيحاً ورواته موثوق بهم.
2 ـ دلالة الحديث على المراد.
ولكن الحديث مخدوش من جانبين:
أمّا السند ففيه أشخاص لايصح الاحتجاج بأحاديثهم وهم عبارة عن:
1 ـ وكيع.
2 ـ سفيان الثوري.
3 ـ حبيب بن أبي ثابت.
4 ـ الوائل الاَسدي.
وأما وكيع فقد قال الاِمام أحمد بن حنبل عنه أنّه «أخطأ في خمسمائة حديث» (8)
كما نقل عن محمد بن المروزي أنّه (أي وكيع) كان يحدّث بالمعنى ولم يكن من أهل اللسان أي لم يرو الاَحاديث بنصوصها وألفاظها كما أنّه لم يكن عارفاً باللغة العربية (9).
وأمّا سفيان الثوري فقد نقل عن ابن مبارك أنّه قال: حدّث سفيانُ بحديث فجئته وهو يدلّسه فلمّا رآني استحيى (10)
وقد نقل في ترجمة يحيى بن القطان عنه أنّه قال كان سفيان يحاول أن يوثق ليشخصاً غير ثقة فلم يستطع(11)
وأمّا حبيب بن أبي ثابت فقد نقل عن أبي حبان أنّه: كان مدلساً (12)
كما نقل عن عطا أنّه قال عنه: لايتابع عليه وليست محفوظة (13)
وأما وائل فيقال عنه أنّه كان مبغضاً لعلي ـ عليه السلام ـ .
هذا حال السند.
وأمّا الاَمر الثاني (أعني دلالة الحديث) فلا بدّ من الدقة في اللفظتين الواردتين فيه وهما «مشرفاً» و «سوَّيته».
أمّا المشرف فالمراد منه هو المكان العالي المطلّ على غيره (14)
وقد جاء في القاموس: الشرف ـ محرّكةً ـ : العلوّ، ومن البعير سنامه (15)
وأمّا التسوية فيراد منها تسوية المعوج يقال سوّى الشيء: جعله سوياً، ويقال: سويت المعوج فما استوى: صنعه مستوياً.
وجاء في القرآن الكريم: (الّذي خَلَقَ فَسَوّى) (الاَعلى ـ 2)
وعلى ذلك فمن القريب أن يكون معنى سوّيته تسوية القبر بتسطيح سنامها لا هدم القبر من أساسه. وهذا هو مذهب جماعة منهم الشافعي؛ حيث جاء في كتاب الفقه على المذاهب الاَربعة: «ويندب ارتفاع التراب فوق القبر بقدر شبر» (16) وجاء أيضاً: ويجعل كسنام البعير ،وقال الشافعي: جعل التراب مستوياً أفضل من تسنيمه (17).
فهذا الحديث يوَيد مذهب الشافعي وعليه الشيعة الاِمامية أيضاً.
ومن الجدير بالانتباه أنّ مسلم صاحب الصحيح أورد هذا الحديث تحت عنوان «باب الاَمر بتسوية القبر» لا تحت عنوان «الاَمر بتخريب القبور وهدمها» (18).
ويوَيد ذلك أنّ مسلم نقل في صحيحه مايوَيد ما استظهرناه من الحديث المذكور من المعنى. قال ـ بعـد ذكر جملة من الرواة ـ :قال ثمامة بن شُفيَّ: كنّا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودِسَ فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسويّ ثم قال: سمعت رسول اللّه يأمر بتسويتها.
ولاشك أنّ المراد من التسوية ليس جعلها والاَرض سواء، لاَنّ ذلك خلاف السنّة القطعية التي تقضي بأن يرتفع القبر عن الاَرض بشبر واحد، فيكون المراد أن يسطح سنامها، ولهذا جاء في عبارة النووي عند تفسير الحديث المذكور في صحيح مسلم «ولايُسَنَّم بل يُرفَع نحو شبر ويسطَّح» (19)
ولم ننفرد نحن بهذا التفسير للحديث بل ذهب إليه ابن حجر القسطلاني في كتابه «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري» (20)إذ قال ـ بعد أن ذكر أنّ السنّة هي تسطيح القبر وأنّه لاينبغي ترك التسطيح مخالفة للشيعة ـ : «لاَنّه لم يُرِدْ تسويتَه بالاَرض وإنّما أراد تسطيحه جمعاً بين الاَخبار».
وأخيراً لم يرد في حديثه صلّى الله عليه و آله و سلّم بل قال: «ولاقبراً إلاّ سويته ولا بناءً مبنياً على القبر ولاقبّة إلاّ سويتها»، فإذن المراد ليس إلاّ ماذكرناه من عدم جعل نفس القبر مسنّماً، وأمّا البناء فوق القبر فليس بمقصود وليس هناك مايدل من الحديث على عدم جواز البناء على القبور، بل السيرة العملية للمسلمين على خلافه كما عرفت.
وحتى لو فرضنا أنّ المراد من التسوية هو تخريب القباب والاَبنية المقامة على القبور، فمن المحتمل جدّاً أن يكون المراد هو قبور المشركين المقدّسين ـ آنذاك ـ من قبل الوثنيين وأهل الشرك، إذ كانت تلك القبور بعد ظهور الاِسلام متروكة على حالها، ويوَيد هذا أنّ النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بعث عليّاً ـ عليه السلام ـ لمحو الصور وهدم التماثيل الموجودة في أطراف المدينة أو غيرها، وليست هذه التماثيل والصور، إلاّ الاَصنام والاَوثان التي كانت تعبد حتى بعد ظهور الاِسلام.
وعلى هذا فأيّ ارتباط لهذا الحديث بقبور الاَنبياء والاَولياء والصالحين؟
2 ـ قال اللّه الكريم:
( في بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بالغُدُوِّ وَالآصالِ * رِجالٌ لاتُلهيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإقامِ الصَّلاةِ وَإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافونَ يَوماً تَتَقَلَّبُ فيهِ القُلُوبُ والاَبْصار) (النور: 36 ـ 37(.
الاستدلال بهذه الآيات على جواز البناء على القبور يتوقف على أمرين:
1 ـ ما هو المراد من هذه البيوت؟
2 ـ ما المراد من رفعها؟
أمّا الاَمر الاَوّل فقد روي عن ابن عباس أنّ المراد بها هي المساجد؛ تكرّمُ وينهى عن اللغو فيها، ويذكر فيها اسمه.
غير أنّه يجب علينا ـ في المقام ـ التأمّل في هذا التفسير، حيث إنّ الظاهر أنّ تفسير ابن عباس للبيوت بالمساجد بيان لاَحد المصاديق، لا المصداق المنحصر، وكم لهذا التفسير من نظير، في غير هذا المقام.
بل يمكن أن يقال: إنّ «البيوت» غير المساجد، لاَنّ المساجد يستحبّ أن تكون عمارتها مكشوفة غير مسقّفة، وأفضل الاَربعة «المسجد الحرام» ونراه بالحسّ والعيان قد بني مكشوفاً، والبيت لا يُطلق حقيقة على المكان المكشوف، بل هو عبارة عن المكان الذي يكون له سقف وظهر، قال تعالى:
( لَـجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيُوتِـهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف ـ 33(
وقال:
( وَلَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (البقرة ـ 189).
وهذا واضح بملاحظة العرف أيضاً، فإنّه يطلق على بيوت الاَعراب وعلى خيامهم الموجودة في البادية ولايطلق على نفس البادية لكونها مكشوفة بخلاف الخيام فإنّها مسقفة، ولاَجل ماذكرناه لاتكاد تجد في القرآن الكريم موضعاً أُطلق فيه البيت على المسجد، بخلاف الكعبة فإنّها حيث كانت مسقّفة أُطلق عليها البيت في مواضع شتى.
قال سبحانه:
( طَهِّرا بَيْتيَ لِلطّائِفِينَ) (البقرة ـ 125).
وقال سبحانه:
( جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرامَ قِياماً للنّاس) (المائدة ـ 97).
وقال سبحانه:
( ثُمَّ مَحِلُّها إلى البيتِ العَتيقِ) (الحج ـ 33).
وعلى ذلك فالمراد بها غير المساجد بل البيوت المشرّفة التي أذن اللّه أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه، وبيوت الاَنبياء والاَولياء من أوضح مصاديقها لِما خَصَّ اللّه هذه البيوت وأهاليها بمزيد الشرف، والكرامة فقد قال اللّه عن البيت النبوي وأهله:
( إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهيراً) (الاَحزاب ـ 33).
وهذا البيت نظير بيت إبراهيم حيث قالت الملائكة في شأنه لامرأة إبراهيم:
( أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللّهِ رَحْـمَتُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَميدُ مَجيد) (هود ـ 73).
ولاَجل ذلك نرى العلاّمة السيوطي بعد نقل قول ابن عباس نقل عن مجاهد قوله: إنّ المراد؛ هي بيوت النبي.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة أنّه قال: قرأ رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم هذه الآية، فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يارسول اللّه؟ قال: بيوت الاَنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يارسول اللّه هذا البيت منها ؟(يعني بيت عليّ وفاطمة) قال: نعم من أفاضلها (21)
هذا عن الاَمر الاَوّل.
وأمّا المراد من الرفع ( هو الاَمر الثاني) فهو يحتمل أحد معنيين:
أ) : أذن اللّه أن ترفع تلك البيوت بالبناء والعمارة للعبادة التي وردت في نفس الآية من ذكر اسمه تعالى فيها، والتسبيح فيها بالغدوّ والآصال.
ويدل على ذلك قوله سبحانه: ( وَإذْ يَرْفَعُ إبْراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسماعيل) (البقرة ـ 127).
فالظاهر هو أنّ المراد من «الرفع» في كلا المقامين واحد، وهو بناوَها وعمارتها ـ البيوت ـ وإعلاوَها.
ب) : إنّ المراد من الرفع هو تعظيمها وتوقيرها.
فلو كان المراد هو الاَوّل لكان نصّاً صريحاً في المطلوب (وهو البناء على القبور التي في بيوتهم).
ولو كان المراد الثاني كان نصّاً في توقيره وتعظيمه وتكريمه، ومن المعلوم أنّ عمارة البيت وصونه عن الخراب بتعميره وتجديد بنائه، وفرشه بالسجاجيد والاِسراج فيه وتزيينه بغير مانهى اللّه عنه، والدفاع عن قصد تخريبه وهدمه، توقيراً وتعظيماً له كما يكون ستر الكعبة المعظّمة بالاَستار الثمينة تعظيماً لها عرفاً.
كل ذلك تكريماً للنبي وتعظيماً له حتى تتحقّـق ـ بها أيضـاً ـ الغايات التي ذكرتها الآية، (من ذكر اسم اللّه والتسبيح له بالغدوّ والآصال).
3 ـ البناء على القبور تعظيم للشعائر ، وقد قال اللّه تعالى:
(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب) (الحج ـ 32).
والشعائر جمع شعيرة بمعنى العلامة، وليس المراد منه علائم وجوده سبحانه لاَنّ العالَم برمّته علائم وجوده بل علائم دينه، ولاَجل ذلك فسّـره المفسّـرون بمعالم الدين، واللّه يصف «الصفا والمروة» بأنّهما من شعائر اللّه إذ يقول:
( إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ) (البقرة ـ 158).
ويقول: (والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ) (الحج ـ 36).
ويقول:
( يا أيُّـها الَّذينَ آمَنُوا لاتُحِلُّوا شعائِرَ اللّه) (المائدة ـ 2).
وليس المراد إلاّ كونها علامات دينه..
فإذا وجب تعظيم شعائر اللّه بتصريح القرآن معلّلاً بأنّها من تقوى القلوب جاز تعظيم الاَنبياء والاَولياء باعتبارهم أعظم آية لدين اللّه وأعظم تعظيم وأفضل تكريم. فهم الذين بلّغوا دين اللّه إلى البشرية فيكون حفظ قبورهم وأضرحتهم وآثارهم عن الاندراس والاندثار خير تكريم وتعظيم لهم.
وإن شئت قلت: إنّ تعظيم كل شيء بحسبه، فتعظيم الكعبة يكون بسترها بالاَستار، وتعظيم البُدن الذي هو من شعائر اللّه بالمواظبة على إبلاغها إلى محلّها وترك الركوب عليها وتعليفها، وتعظيم الاَنبياء والاَولياء في حياتهم بنحو وبعد وفاتهم بنحو آخر.
فكل ما يعدّ تعظيماً وتكريماً يجوز بنص هذه الآية من غير شك ولاشبهة.
وورود الآية في مشاعر الحج وشعائره لا يكون دليلاً على اختصاصها بها فإنّ قوله تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ )ضابطة كلية ومبدأ هام، ينطبق على مصاديقه وأفراده وجزئياته الكثيرة.
++++++++++++++++
المصادر:
(1)زاد المعاد: 661.
(2)أنظر إلى الجواب الذي يمليه المستفتي على علماء الدين الذين عليهم أن يفتوا وفقه!!!
(3)جريدة أُم القرى العدد: 17 من أعلام: 14.
(4)الكشاف: 2|254
(5)تفسير الجلالين: 2|3.
(6)صحيح البخاري: 2|111، كتاب الجنائز.
(7)صحيح مسلم: 3|61 كتاب الجنائز؛ وسنن الترمذي: 2|256، باب ما جاء في تسوية القبر؛ سنن النسائي: 4|88، باب تسوية القبر.
(8)تهذيب التهذيب: 11|125.
(9)المصدر نفسه: 11|130.
(10)المصدر نفسه: 4|115.
(11)تهذيب التهذيب: 11|218.
(12)المصدر نفسه: 3|179.
(13)الشرح الحديدي.
(14)المنجد «مادة شرف».
(15)القاموس «مادة شرف».
(16)الفقه على المذاهب الاَربعة: 1|420.
(17)المصدر نفسه: 1|420.
(18)صحيح مسلم: 3|61، كتاب الجنائز.
(19)شرح صحيح مسلم للنووي 7|36.
(20)إرشاد الساري: 2|468.
(21)الدر المنثور في التفسير بالمأثور: 5|50 في تفسير الآية.

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
منوعات ولا على البال © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top